عثمان بن مظعون
رضي الله عنه
رحمك الله أبا السائب ، خرجت من الدنيا وما أصبت "
" منها ولا أصابت منك
حديث شريف
عثمان بن مظعون من أوائل المسلمين وأغلب الظن الرابع عشر ترتيبا
وناله ما ينال المسلمين من أذى المشركين وصبر ، وكان أمير المهاجرين
الأوائل الى الحبشة مصطحبا ابنه السائب معه ، وكان أول المهاجرين وفاة
بالمدينة ، وأولهم دفنا بالبقيع.
جوار الله
بلغ أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين خرجوا الى الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا ، فغادروا الحبشة عائدين ، ولكن حين دنو من مكة علموا بأن هذا النبأ خاطيء ، فلم يدخل أحد منهم الى مكة إلا بجوار أو مستخفيا وكانوا ثلاثة وثلاثون منهم عثمان بن مظعون الذي دخل بجوار من الوليد بن المغيرة.
ولكن لما رأى -رضي الله عنه- ما فيه أصحـاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-من البلاء وهو يغـدو ويروح في أمـان من الوليد بن المغيرة قال .( والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من الشرك ، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي ).فمشى الى الوليد بن المغيرة فقال له .( يا أبا عبد شمس ، وَفَت ذمتك ، قد رددت إليك جوارك ).فقال له .( يا ابن أخي لعله آذاك أحد من قومي ).قال .( لا ، ولكني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره ).فقال .( فانطلق الى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية ).فانطلقا حتى أتيا المسجد فقال الوليد .( هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري ).قال عثمان .( صدق قد وجدته وفيا كريم الجوار ولكني أحببت أن لا أستجير بغير الله ، فقد رددت عليه جواره ).
ثم انصرف عثمان ، ولبيـد بن ربيعة في مجلس من قريش يُنشـدهم ، فجلس معهم عثمان ، فقل لبيـد .( ألا كل شيء ما خلا الله باطـل ).قال عثمان .( صدقت ).قال لبيد .( وكل نعيم لا محالة زائل ).قال عثمان .( كذبت ، نعيم الجنة لا يزول ).قال لبيد .( يا معشر قريش ، والله ما كان يؤذى جليسكم ، فمتى حدث هذا فيكم ؟).فقال رجل من القوم .( إن هذا سفيه من سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله ).فرد عثمان عليه حتى شري أمرهم ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضّرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان ، فقال .( أما والله يا ابن أخي ، إن كانت عينك عما أصابها لغنية ، لقد كنت في ذمة منيعة ).فقال عثمان .( بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس ).فقال الوليد .( هلم يا ابن أخي ، إن شئت فعد الى جوارك ).فقال عثمان .( لا ).
الراهب الجليل
وهاجر عثمان بن مظعـون الى المدينة مع الرسـول -صلى الله عليه وسلم- والمسلميـن ، وظهرت حقيقته الطاهرة ، فهو راهـب الليل والنهار وفارسهمـا معا ، تفرغ للعبادة وانقطع عن مناعم الحياة فلا يلبس إلا الخشـن ولا يأكل إلا الطعام الجشِب ، فقد دخل يوما المسجد ، وكان يرتدي لباسا تمزق ، فرقعه بقطعة من فروة ، فرق له قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- ودمعت عيون الصحابة فقال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- .( كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حُلّة ، ويروح في أخرى ، وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى ، وسَتَرتم بيوتكم كما تستر الكعبة ؟).قال الأصحاب .( وَدِدْنا أن ذلك يكون يا رسول الله ، فنُصيب الرخاء والعيش ).فأجابهم الرسول الكريم .( إن ذلك لكائن ، وأنتم اليوم خير منكم يومئـذ ).وحين سمع ابـن مظعـون ذلك زاد هربا من النعيم ، بل حتى الرفث الى زوجته نأى عنه وانتهى لولا أن علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك فناداه وقال له .( إن لأهلك عليك حقا ).
وفاته
وحين كانت روحه تتأهب للقاء ربها وليكون صاحبها أول المهاجرين وفاة بالمدينة ، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى جانبه يقبل جبينه ويعطره بدموعه وودعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلا .( رحمك الله أبا السائب ، خرجت من الدنيا وما أصبت منها ولا أصابت منك ).ولم ينسه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك أبدا حتى حين ودع ابنته رقية حين فاضت روحها قال لها .( الحقي بسلفنا الخيِّر ، عثمان بن مظعون ).